حوار مع السيد صلاح بدرالدين
تستمر النخب السياسية الكردية السورية من المستقلين وناشطي الحراك الشبابي والأكاديميين في تناول بحث ومناقشة مشروع اعادة بناء الحركة الوطنية الكردية السورية في مقر رابطة كاوا للثقافة الكردية في أربيل عاصمة اقليم كردستان العراق، وكذلك في مدن أوروبية أخرى.
المشروع الذي عنه السياسي والكاتب الكردي صلاح بدر الدين، الذي قال إنه يرمي إلى تحديث البرنامج السياسي وتجديد القيادة وتبديل السياسات في حركة واسعة تضم كل الفعاليات والطاقات والتيارات الوطنية السياسية وتجاوز العقلية الحزبية.
وللمزيد حول هذا المشروع، أجريت حواراً مع الكاتب بدر الدين الذي تحدث عن مآلات الثورة السورية وآخر المستجدات على المستوى المحلي والدولي بالنسبة لسوريا عموماً وللمنطقة الكردية بالخصوص.
وإلى نص الحوار:
كيف ينظر بدر الدين إلى ما آلت إليه الثورة السورية، واحتفاء أنصار بشار الأسد بانتصارهم على أكبر أزمة تشهدها سوريا؟
نعم يجب الاعتراف بأن الثورة السورية مثل سائر ثورات الربيع تراجعت وأصيبت بنكسة حادة لأسباب عديدة لم يتم الى الآن مراجعتها بشكل علمي وموضوعي، كل ما هو معلوم أن الثورة قد سرقت من جانب جماعات الاسلام السياسي التي تسللت الى صفوفها عبر (المعارضات) التي اخترقها الوافدون الجدد من أحضان النظام والتي لم تلتزم بأهداف الثورة ولم تكن مخولة منها لتمثيلها.
وفي السنوات الأخيرة تحولت المعارضة بشكل واضح وعملي الى إحدى أدوات المانحين من النظام الإقليمي والعربي الرسمي لذلك ليس من الغرابة أن تسيطر التيارات الاسلامية المتشددة والارهابية على مساحات واسعة، لأنه وبالإضافة إلى ما ذكرناه، عمل النظام وحليفه الايراني على استحضار تنظيمات القاعدة ومن ثم داعش لتشويه صورة الثورة.
أما بصدد ما ذكرته من انتصارات عسكرية للنظام فالأصح أن الاحتلالين الروسي والايراني العسكري هو من مهد لسيطرة النظام على بعض المناطق لأن قوى النظام تبددت وجيشه تمزق وهو يعيش أيامه الأخيرة.
كيف تقيم ما يتحقق الآن في (كردستان سوريا) من خطوات نحو إعلان الفدرالية والتي يقودها (ب ي د) مع حلفائه من بقية مكونات المنطقة من عرب وغيرهم، وهل تعتقد أن صيغة الفدرالية التي يسعى لإعلانها، ويقول المجلس الوطني إنه يطالب بها مناسبة لمستقبل الكرد في سورية ام صيغة اخرى.
القضية الكردية في سوريا لن تُحل إلا بتوفر شروط ثلاثة:
الأول: الاجماع القومي الكردي على صيغة ومضمون الحل في إطار تقرير المصير ضمن سوريا الموحدة.
والثاني: التوافق الوطني مع الشركاء العرب السوريين على الحل المنشود.
والثالث: توفر نظام ديموقراطي لكي يضمن الحل المتفق عليه ويصونه بالدستور والقوانين.
والآن جميع هذه الشروط ليست متوفرة حتى ما يعلن بين الحين والآخر من جانب الأحزاب الكردية في (المجلسين) عن الصيغ والحلول ليس مفهوما لأنها ترضخ للمزايدات اللفظية ولا تستقر على شكل والطرح الأخير من جانب سلطة الأمر الواقع بصيغة الفيدراليات الثلاث (الجزيرة والفرات وعفرين) يشوبه الغموض فهو تراجع عن حل القضية الكردية كمسألة قومية تخص ما يربو على ثلاثة ملايين إلى حلٍّ (جغرافي أو مناطقي).
يتهم البعض الكرد سواء اكان ضمن الادارة الذاتية، أم المجلس الوطني الكردي بأنهم يتعجلون في مطلب الفدرالية، وان ذلك يجب ان يكون بتوافق سوري وأن يمر في البرلمان، كيف تقيمون هذه التجربة إذا ما قورنت بمثيلتها في العراق؟
بداية أقول إن هناك فرق كبير بين تجربة كردستان العراق وبين ما يحصل في كردستان سوريا، في الأولى لم تنقطع الثورات والانتفاضات منذ القرن الماضي وتُوّجت عام 1992 بانتخابات برلمانية وانبثاق قيادة سياسية ومؤسسات شرعية منتخبة وإقرار الفدرالية بالتوافق مع معظم أطراف المعارضة العراقية العربية، وبعد قرارات مؤتمرات المعارضة في لندن وبيروت وصلاح الدين، وجاء سقوط النظام الدكتاتوري وإقامة مجلس الحكم والاستفتاء على الدستور الذي أقر بفدرالية إقليم كردستان نتيجة التحالف الكردي العربي في إطار المعارضة.
أما في سوريا وفي مناطقنا فالأمر بعكس ما كان بالعراق وكردستان تماما فلم يتم التحالف الحقيقي بين الأحزاب الكردية وبين المعارضة الوطنية ولم ينخرط كرد الأحزاب بصفوف الثورة بل أن كرد – ب ك ك – وقفوا ضد الثورة في حين كان كردستان العراق مركزا وقاعدة للثورة على نظام صدام ثم لم يتم اسقاط نظام الاستبداد في بلادنا وفي كردستان العراق وبالرغم من موازين القوى الايجابية والامكانيات الهائلة الا أن قيادة الاقليم تؤكد دوما على أنها لن تقدم على خطوات أحادية الجانب بشأن تقرير المصير وإعلان الاستقلال مادام هناك فسحة للتفاهم والتوافق مع بغداد.
ما هو تقييم بدر الدين للمجلس الوطني الكردي، وان كان فعلا قد نجح في تمثيل الكرد ضمن المعارضة؟
قلنا ونكرر أن المجلس بني على أساس هش وحسب مصالح وأجندات الآخرين وكان نتيجة اتفاق السيد رئيس العراق (آنذاك) مع رأس النظام السوري، وعبر متزعم اليمين وهو نفسه الذي سخر منزله بالقامشلي لإقامة غرفة عمليات لجنرالات النظام لوأد الهبة الدفاعية عام 2004 الذي طار الى السليمانية عبر دمشق – بغداد كمحاولة إضافية (لضبضبة) الكرد السوريين وإبعادهم عن الثورة وعزل حركتهم عن حركة المعارضة الديموقراطية السورية باسم (الحياد والعمل مع من يعطي أكثر) أي الثورة والنظام ثم وضع حسب تقاسمات حزبية ومحاصصة مع استبعاد الحراك الشبابي والمستقلين ومعظم الوطنيين.
والآن تفكك المجلس واخترق من جانب سلطة الأمر الواقع وأوساط النظام مجددا ولم يحقق أي من وعوده وفشل حتى في علاقاته الوطنية وعجز عن بلورة وحمل المشروع القومي والوطني ولم يصدر منه أي مقترح أو مبادرة في الشأنين الكردي والسوري.
الأمر الايجابي الوحيد الذي يحبذه الناس في هذا المجلس من الناحية العاطفية هو علاقاته مع إقليم كردستان العراق وهي رصيده الوحيد اليتيم الذي لن يستمر طويلا كما يظهر.
ما هو مشروع (بزاف)، ومن يموله، وهل هو نواة لحزب سياسي مقبل؟
ببساطة مشروع إعادة بناء الحركة الوطنية الكردية السورية – بزاف تعني تحديث البرنامج السياسي وتجديد القيادة وتبديل السياسات ( عوامل ذاتية ) والتواصل والتفاعل مع المحيط الوطني والكردستاني والإقليمي والدولي وتطويع تلك المعادلة لمصلحة إعادة البناء ( عوامل موضوعية ) كل ذلك يتم في سيرورة تاريخية قد تطول ولسنا مقبلون على اعلان حزب جديد بل نسعى الى حركة واسعة تضم كل الفعاليات والطاقات والتيارات الوطنية السياسية بل تشمل الجمهور الواسع من مستقلين ووطنيين من كل الطبقات الاجتماعية ومبدعين من أطباء ومهندسين ونساء ومحامين والجيل الشاب الذي شارك قسم منه في الاحتجاجات السلمية والتظاهرات بداية الانتفاضة السورية وسجن بعضهم وعذبوا وخبروا الحياة السياسية.
عندما نقول إعادة البناء نقصد تجاوز العقلية الحزبية وتنظيم الطاقات الخلاقة المعطلة قسراً وإعادة تنظيم الكتلة التاريخية من جديد وعمودها الفقري الشباب والوطنيون المستقلون وببرامج جديدة وقيادات شابة جديدة، ما يتعلق الأمر بأمثالي من الجيل القديم حيث أعمارنا لا تساعد على أن نتصدر الصفوف، من واجبنا تقديم المشورة وتسخير الخبرة لخدمة المشروع ونحن لسنا بعجلة من أمرنا لأن القضية السورية تحتاج الى عقود لحلها والمحيط الإقليمي مقبل على تبدلات عميقة وطويلة الأمد.
كيف تقيم العلاقة العربية – الكردية وما هي أسباب تهجم نخب المعارضة السورية، وغالب الاعلام العربي على الكرد بمختلف التهم والإساءات وهل تجد أن الصعود الكردي في سوريا وتوجه اقليم كردستان نحو الاستقلال لها أسباب حول ذلك؟
العلاقة بين الكرد والعرب كشعبين متعايشين متجاورين منذ آلاف السنين متينة وراسخة وستبقى كذلك في المستقبل مهما كانت المشاريع السياسية وما يتعلق الأمر بالصراعات السياسية ومناكفات الأحزاب السياسية ومواجهات بين حاملي الآيديولوجيات الشوفينية العنصرية أو الانعزالية والتجاذبات وحتى الحوارات بأصوات عالية فهي كانت قائمة في كل المراحل وبأشكال مختلفة ومن الواضح أن هناك قطاعات واسعة من الرأي العام العربي وخصوصاً بين الأنظمة والحكومات والمؤسسات العسكرية والأمنية وحتى الأحزاب القومية والاسلامية وبعض اليسار لم تتفهم بعد الوضع الكردي ولم تستوعب مبادئ حق الشعوب بتقرير المصير ولكن لن تدوم مثل هذه الأخطاء الى الأبد وللأمانة أقول وعلى سبيل المثال وبحكم تجربتي في الحوار الكردي العربي خلال نصف قرن أن هناك تحول ايجابي عميق حصل في الموقف العربي العام منذ اندلاع الثورة السورية حيال الكرد والقضية الكردية ويحتاج الأمر الى مزيد من الحوار من أجل تطوير ذلك الموقف باتجاه الاعتراف المتبادل بالحقوق والعيش المشترك والوئام والسلام
هل تعتقد ان الثورة ما تزال مستمرة، كيف، من يمثلها، وهل ستكون قادرة فعلا على إسقاط الاسد أم أنه مجرد شعار ما يزال البعض يرفعه لمكاسب شخصية او فئوية؟
الثورة بما هي كفاح ضد الدكتاتورية والاستبداد وبشكليه المسلح الدفاعي والسلمي الجماهيري لم ولن تتوقف حتى إسقاط النظام ولن تهدأ الساحة السورية حتى لو بقي شبل واحد يسعى إلى التغيير الديموقراطي فالثورة بهذا المعنى مستمرة وخاصة بالشكل السياسي السلمي والشعبي حتى لو حصلت تراجعات عسكرية بسبب تسلط الاسلام السياسي وإفساد المقاتلين بالمال الخليجي وخذلان المجتمع الدولي للسوريين وكنا من أوائل اللذين طرح مشروع المؤتمر الوطني السوري الجامع من كل المكونات والتيارات الوطنية وعبر لجنة تحضيرية نزيهة ومستقلة لمراجعة ما حصل ومساءلة الفاسدين والمفسدين وصياغة البرنامج السياسي وانتخاب مجلس سياسي – عسكري لمواجهة تحديات السلم والمقاومة، للأسف لم نجد آذانا صاغية خاصة من المعارضة وبعض الفصائل المسلحة حتى الآن، ونسمع الآن من يركب هذه الموجة في أوروبا بدفع من أجهزة مخابرات بلدان معينة من منطلق القفز فوق الثورة وشهدائها والإرادة الشعبية ومساواتها مع النظام ومحاولة استحضار جماعات هزيلة كانت ومازالت احتياط الثورة المضادة ترتبط بخيوط مع أوساط نظام بشار الأسد
أجرى الحوار : كدر أحمد.
Comments